شباب الولدنة - مذكرات

12 سبتمبر 2010
29
0
0
شباب الولدنة - مذكرات

بقلم : هشام ابراهيم الاخرس - البستنجي


ما أن أرقد في فراشي طالباً نوماً هنيئاً حتى اتذكر أيام الطفولة والشغب الذي كان يجتاحنا لحظة طيش أو ذات مراهقة و ولدنة , لحظات تجتاح الحلم واليقضة ونتمنى لو يعود الزمن للوراء برهة لعلنا نغير من واقعنا او نختار ما لم نختاره لحظة ضعف .
ذات مراهقة وطفولة كنّا نواجة مشكلة عويصة في مدرستنا حيث لا مدرسة للبنات في طريقنا وكنّا نضطر أن نمشي من أول الحي حتى أخره للننتظر البنات في مشهد طفولي وكوميدي في بعض الاحيان , حتى وصل الحال بنا ان نرسم على الجدران أو الاسفلت قلوب او علامات للنصر أو احرف انجليزية لحبيبة نختارها من ضمن الحبيبات وما أكثر حبيباتنا ولكن وأجزم انهن لم يكن حتى يعلمن بوجودنا و أجزم أننا كنّا طارئون على الحب ومتسلقون على قصص العشاق وكان أقصى حلمنا هو نظرة أو تنهيدة أو شيء من هذا القبيل ولكن هذا كله لم يحدث ولا اذكر أن احداهن اعارتني أهتماماً أو حتى لو تصنيعاً ودجلاً ولكننا لم نكن نسمع غير الشتائم ولم نكن نشاهد غير نظرات الاحتقار أو الاستهبال أو الاستهتار في مشهد لم نكن نراه في السينما او تلك المسلسلات التي تتحدث عن الحب وعن قصص العشاق التي لم نجد طرفاً يقبلنا لنطبقها على ارض الواقع .
أجمل ما في طفولتنا أننا طارئون على كل شيء ولسنا الا مقلدون فاشلون لا نطبق ما نتعلمه من الافلام والمسلسلات بطرق سليمة حتى يأتي أكله و أذكر أنني عملت حركة بهلوانية بقصد لفت انظارهن وهن في طريق عودتهن ولكن حركتي البهلوانية كانت فاشلة مما جعلني أقع ارضاً في مشهد مضحك ومثير مما جعلني عرضة للتعليق والسخرية امامهن و امام اصدقائي الاغبياء والذين ساعدوا في نشر الفضيحة وفي لفت الانتباه لغبائي المفرط حتى سمعت صوت لاحداهن يقول ياه ما ازنخ دمك .
كنّا اصحاب احلام واسعة ومثلنا كانت بنات المدرسة فجميعهن يحلمن بفارس يخلصهن من بيوتهن على صهوة خيل ويخطفهن الى عالم من الغيم والاوهام والاحلام بعيداَ عن الهم والسم وعن غباء الاطفال مثلنا لحظة طيش واحلامنا نحن الشباب لم تتعدى رسالة من حبيبة او نظرة او لمسة او حتى كلمة عابرة في الهواء , جميعاً نحلم وجميعاً نطيش وجميعناً نعبث بالحياة حد الجنون .
تعلقت في شبابي الطفولي وفي سنين المراهقة الدافقة كحب الشباب الذي بدء يغزو الجسد والقلب والنشوة تعلقت بفتاة اشبه ما تكون بالقمر في ليلة صيف صافية و أحببتها حد الجنون وكنت كثيراً ما ازور طريقها من المدرسة للبيت وكنت اعشق طريقها واخطو خطواتها وكنت معجب بها وبكل تفاصيلها التي لا توصف وأذكر مرة أنني قررت أن اصارحها بحبي حقيقة وليس خيال وبعيداً عن الشغب والمراهقة والجنون وعن اصدقائي الاغبياء في الحب والسهو فسنحت لي الفرصة ان اراها وحيدة تمشي مثل غزال يترنح في غابة كلها أمن و أمان وأقتربت منها وأقتربت أكثر وكنّا نسير وجهة لوجه وعند وصولي نقطة الصفر و وقوفي أنخرس لساني و أنعقد و تجمد الدم في عروقي وزاد القلب من دقاته ومضت وحيداً تمشي ولم اكلمها ولم اشاور لها بيدي كما العشاق واجزم انها لم تراني برغم قربي منها .
ذهبت وحيداً وتركتني وبعدها بأعوام تزوجت واختارات طريقها وتركتني حيث التيه والجنون والشغب وبنات المدارس اللواتي لم يجذبهن شغبي وتعليقاتي ورسوماتي على الجدران والارصفة والاسفلت وكنت وحيداً مع اصدقائي في الشغب والفوضى والعشق الاخرس والقلب الكبير الذي كان يعشق كل بنات المدرسة جملة واحدة .
ذات مناسبة شاهد صديق لي هذه الحبيبة التي غابت وقال لها ان هشام كان يحبك فأختصرت الطريق عليه وقالت هشام - حمار- ليش ما حكى ؟
ليش ما خطبني ؟
ليش ما لمّح ؟
اضحكني المشهد اضحكني جداً و كان جوابي الغيابي لها : يا من كنتِ في البال كالظل
لا أدري لماذا ولا اعلم ولا اعرف ولا افهم سوى أنني كنت أحبكِ
ولم أكن أمتلك الجرأة كي اواجهكِ او حتى أواجه أهلي فمتطلبات فتح موضوع كهذا في البيت كثيرة جداً فعادتنا وتقاليدنا لا تعترف بالحب ولا بالعشق والهيام نحن تقليديون في كل شيء حتى في الحب والزواج
يا معشوقتي التي ذهبت في البعيد
يا دانا النوارة وهذا كان لقبها
ان كل شبابنا واحلامنا وشغبنا طيشنا كانت كلها وهم على وهم وجهل ولم نكن ندرك اننا قاب قوسين او ادنى من الشيخوخة التي تداهمنا كما وحشاً تسلل للحلم ذات كابوس مخيف
يا دانا النّوارة
عمري الان اربعة وثلاثون عاماً من الارق
اربعة وثلاثون عاماً مضت عندما تكونت انا من خليط ماء وطين و سجلت اسمي بدفتر الحياة باحثاً عن حقي فيها بكل تفاصيلها ومعانيها , أربعة وثلاثون عاماً من الوجع والنسيان والصراخ و العمل والنوم والحب ودفتر متسخ للمذكرات والصحاب والاحباب ولوردة جورية توسطت أوراقة وجفت منذ عقدين ونيف .
هو العمر نفنيه بشتى الطرق وهو كشمعة تحترق ونشاهدها وقت الافول والهطول وهو ما تبقى لنا من مستقبل مجهول وموزّع حسب حاجة الاغنياء من الفقراء وحسب انتهاء لذتهم مع مرارتنا .
نحن تفاصيل اقرب ما تكون للفوضى ونحن في الحياة كقطع من القماش ترتبن في خزانة تملكها عائلة فقيرة في منظر اشبه ما يكون للباله
يا حبيبة عمري اريدكِ ان تقبليني ذكرى كما انا فوضوي وصولي مشتت الفكر وشارد الذهن وباحثاً عن كل شيء الا الراحة وشارياً كل شيء الا المفيد
سلاماً عليكِ
وسلام على جيلاَ كاملاً تاه في الحلم والوهم وغاص بالفوضى والجنون

هشام ابراهيم الاخرس - البستنجي

شبكة الشباب الإخبارية